يعتبر خبراء الاجتماع رسومات الأطفال من الأدلة على تطور أفكارهم وإبداعاتهم، فهي التي تعبر عن مكنونات أنفسهم وعن نظرتهم تجاه الأشياء، ولا يخلو منزل يضم أطفالا من تلك اللوحات و"الخربشات" اللذيذة التي تعبر عن النظرة الطفولية تجاه الأشياء، ويؤكد العلماء أن رسوم الأطفال غالبا ما تحتوي على دلالات ومواهب خفية.
تقول المتخصصة النفسية نجلاء عسيري: "أهمية الرسم ودلالات الألوان في حياة الطفل تبدأ منذ الشهر الثاني من عمره كمؤثر بصري وحسي، ولا سيما الألوان الصارخة كالأحمر والأصفر، وهو لا يعي الفروقات بينها، ويبدأ الطفل قبل سن الرابعة بحفظ الألوان كنوع من التعلم والتمييز، أما بالنسبة لدلالات هذه الألوان وارتباطها بسمات الشخصية فنجد أن الطفل العدواني يميل إلى الألوان الصارخة القوية كالأحمر، أما الطفل الهادئ فيكون أكثر ميلا إلى الألوان الحالمة الهادئة كالأزرق.
وتضيف عسيري أن رسوم الأطفال تدل على التطور النفسي والطبيعي والإيجابي فقد يكرر الطفل رسم أول صورة رسمت له، أو مشهداً اعتاد رؤيته بحكم وجوده في إطار بيئي واحد، وهو يرسم ليعبر عن تفاعله مع شيء كالدمى والشخصيات الكرتونية المحببة له والقريبة من نفسه أو كنوع من التقمص لشخصية ما وإسقاط ما في داخله من مشاعر وانفعالات، ناقلا إياها على الورق، وقد يحاول الطفل أيضا عن طريق الرسم محاكاة شيء ما أو شخص ما يعتبره قدوته والأكثر قربا منه، ويربط الطب النفسي هذه التطورات السلوكية بالخيال لدى الطفل، لأنه يوسع مدار التفكير لديه، ويدل على تطوره وسلامته النفسية.
وتضيف المتخصصة الاجتماعية منار ضو البيت أن مستوى الذكاء لدى الطفل يمكن قياسه عن طريق الرسوم لأن الرسم أحد الأساليب التي تعكس تفاعل الفرد الإدراكي مع البيئة، ويفضل هذا الاختبار استبدال مفهوم الذكاء بمفهوم النضج العقلي، فاختبارات الرسم تتشبع بالمفهوم التقليدي للذكاء، ولكنها تمثل مفهوما أقل تحديدا وهو الأداء السيكولوجي عامة أو النضج العقلي، ورغم اختلاف المفاهيم عن الذكاء فإن ذلك يقع في مجال النمو المعرفي.
وتضيف ضو البيت أن رسومات الأطفال أحد أشكال بناء النفس في المجال المعرفي والعقلي والمزاجي والوجداني، فهي ليست مجرد "خربشات" عديمة المعنى، بل إنها تعني الكثير بالنسبة للطفل، فهو يستنطق من خلال هذه الرسوم كل ما يعتريه من آمال ومخاوف وأفكار ومفاهيم، ومع نمو الشخصية والوصول إلى مرحلة المراهقة تزداد هذه المفاهيم عمقا، ولذا لا يكون الاهتمام منصبا على النواحي الجمالية في رسوم الأطفال، وإنما من الواجب أن تتسع لتشمل النواحي الجمالية والصلات بين النمو الفني وباقي نواحي النمو.
وتنصح ضو البيت بتشجيع الطفل لأنه مولع بالكشف والاستطلاع وكشف محيطه وذلك من خلال الألعاب التي تسيطر على أنشطته، وتعد هذه الصفات جوهر اكتساب المعرفة والتفكير الإبداعي والابتكاري، والطفل يمارس أنشطته التعبيرية بطلاقة وتنوع ويتمتع بالمرونة في أنشطته الحرة وتتلخص المعايير التي يمكن أن تحدد من خلالها الأعمال والمنتجات الإبداعية للطفل والمراهق في الجدة والأصالة والتميز.
ويضيف استشاري الطب النفسي الدكتور أحمد البحيري "تبدأ مرحلة الطفولة لدى الأطفال من سن سنتين إلى سن 18 سنة، وتعد الرسومات والألوان إحدى الطرائق التي يمكن من خلالها التواصل مع الأطفال الصغار، إضافة إلى المعلومات التي يمكن أن نستقيها من الأبوين والمربين والمربيات، وتعطي الرسومات الخاصة بالأطفال انطباعات لدى المحللين النفسيين عن الطفل ومعرفة توجهاته من خلال الألوان المستخدمة، وهذه الرسومات تعكس الجو الأسري الذي يعيشه الطفل فيمكن أن يرسم الطفل الأم بحجم أكبر من الأب وذلك يعكس وجود سلطة كبيرة للأم، وهكذا يعيد الأطفال تمثيل الواقع من خلال الرسومات، أو عن طريق الألعاب، وتظهر العلاقات الأسرية من خلال الخربشات والرسومات، ويظهر من خلال ذلك القيم المدرسية والقهر الأسري والقيم الدينية، والرسم تعبير وهواية، ويهتم المعالجون النفسيون به لأنه وسيله للتعبير والتربية على حد سواء، لأن الطفل دائما يحتاج إلى ما ينعش فيه المشاعر عن طريق اللعب والألوان التي تحرك مواهبه.
ويشير الدكتور البحيري أن منع الأمهات الأطفال من ممارسة الرسم هو حرمان من حقهم في الكلام أو التعبير عما في دواخلهم فالألوان وسيله للتواصل مع المجتمع وإلا أصبح الطفل أبكم عاطفيا لا يستطيع أن يعبر عما في نفسه، وهناك من تكون لديهم هوايات أخرى ومهارات يدوية تعبر عنهم والألوان في نظر المحللين النفسيين كذلك وسيلة للعلاج النفسي وله وظيفة في تشخيص المرض النفسي والتعرف على قدرات الطفل المستقبلية وغرف العلاج النفسي الخاصة بالأطفال لا بد وأن يتوفر فيها الألوان والألعاب.
وتقترح مديرة مركز التأهيل المهني بخميس مشيط نهلة سعيد تشجيع الطفل على اكتشاف ومعرفة الألوان من خلال ربطها بأدوات وأشياء تحيط به، فالأحمر لون الوردة، والأخضر لون العشب والأشجار، والأزرق لون السماء، والأصفر إشارة المرور، وتضيف: "الأم لا بد لها من أن تلفت انتباه أبنائها للعالم من خلال تعريفهم بالألوان والأشكال والأحجام وعلاقات الألوان بعضها بالآخر ومزجها ومعانيها، ويمكن للأم من خلال ذلك أن تكتشف الكثير من شخصية طفلها أو انفعالاته من خلال تشجيعه على الرسم والتلوين الذي يساعده على التعبير وإخراج طاقاته الانفعالية".
وأضافت أن التعبيرات الفنية للأطفال في بداياتها قد تضايق الأمهات وذلك بسبب التخطيطات والرسومات على الجدران في المنزل أو على جسد الطفل أحيانا، ولكنها بلا شك تعد من أهم الوسائل التي تنمي الخيال والابتكار والإبداع عند الأطفال ولا بد للأم من التشجيع على استخدام الورق والألوان لأنه الحجر الأساسي في بناء الشخصية إضافة إلى المهارات الأخرى مثل اللعب والرياضة وشجب وقمع هذه الأشياء يحول مسار شخصية الطفل من الابتكار العفوي الجميل إلى عادات أخرى سيئة.
Bookmarks